تضع الأم رضيعها تحت الملاحظة طوال الوقت وخاصة إذا كان مولودها الأول، وتتابع تطوره يوماً بعد يوم.
تفرح عندما تراه يتعلم مهارة جديدة، أو يستطيع التواصل معها ومع الآخرين وينمو بصورة طبيعية.
ولكن في خضم هذه الفرحة والنشوة قد يحدث أن يتأخر الطفل في اكتساب المزيد من المهارات والسلوكيات، أو يفقد مهارات قد اكتسبها في فترة سابقة، أو تلاحظ على طفلها حركات غريبة غير معتادة.
هنا يتسلل القلق إلى قلبها، وتشرع في استشارة طبيب طفلها وتعرضه على مختصين، لتعرف أن طفلها مصاب بمرض يسمى اضطراب طيف التوحد.
فما هو هذا المرض؟ وما هي أسبابه؟ وما هي كيفية التعامل معه؟
في هذا المقال سوف نحاول أن نجيب على هذه الأسئلة.
تعريف التوحد أو ما يعرف باضطراب طيف التوحد (Autism spectrum disorder (ASD))
هو مجموعة من الأعراض المرضية المرتبطة بخلل في وظيفة المخ، والتي تظهر في صورة اضطرابات في التواصل الاجتماعي، وفي أنماط السلوك، وردود الأفعال.
وبحسب الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) والذي نُشر من قبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) عام 2013 ويستخدمه الأطباء لتشخيص مجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية، فإن اضطراب طيف التوحد يشمل خمسة أنواع، منها:
- مع أو بدون الإعاقة الذهنية.
- مع أو بدون ضعف في اللغة.
- يرتبط بحالة طبية أو وراثية أو عامل بيئي معروف.
- مرتبط باضطراب عصبي أو عقلي أو سلوكي آخر.
- مع كاتاتونيا (مرض يبقى فيه الشخص في حالة ثبات ساعات طويلة بدون كلام أو حركة أو ردود أفعال).
قبل ذلك كان يتم تقسيم الأطفال المصابين بحسب الاضطرابات التالية:
- اضطراب التوحد (Autism)
- متلازمة اسبرجر (Asperger’s syndrome)
- اضطراب النمو الشامل – غير محدد بطريقة أخرى (PDD-NOS)
- اضطراب الطفولة التفككي childhood disintegrative disorder))
أسباب الإصابة باضطراب طيف التوحد
لم يتوصل الأطباء إلى السبب الدقيق لهذه الاضطرابات، ولكن هناك بعض العوامل التي قد تؤدي لهذا المرض عند الأطفال، مثل:
1. العوامل الوراثية
يرتبط التوحد عند الأطفال باضطراب في الجينات، كما يلي:
- متلازمة ريت (Rett syndrome):وهي حالة وراثية تصيب الفتيات بشكل حصري وتسبب تباطؤ في نمو الرأس والإعاقة الذهنية.
- متلازمة الصبغي إكس الهش (fragile X syndrome) وهو اضطراب وراثي يُسبب مشكلات فكرية. وقد تعزز التغيرات الجينية (الطفرات) خطر الإصابة بهذا المرض.
2. العوامل البيئية
مثل: عدوى فيروسية، أدوية، مضاعفات أثناء الحمل أو ملوثات بيئية.
عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية الإصابة بالتوحد عند الأطفال
- الذكور أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض من الإناث.
- وجود فرد في العائلة مصاب بالتوحد يزيد من فرصة ولادة طفلٍ آخر مصاب بهذا الاضطراب.
- حدوث طفرات جينية أو اضطرابات أخرى مماثلة، مثل: متلازمة الصبغي X الهش ومتلازمة ريت.
- نقص وزن الطفل عند الولادة أو الولادة قبل اكتمال فترة الحمل (الأطفال المبتسرين).
- التعرض للمعادن الثقيلة والسموم البيئية مثل الرصاص و الزئبق.
- وجود تاريخ من الالتهابات الفيروسية.
- تعرض الجنين لأدوية معينة مثل حمض الفالبرويك (ديباكين).
- نقص بعض المركبات الحيوية مثل البيوتين والذي له دور في توفير الطاقة اللازمة لنشاط المخ وإتمام وظائفه.
- خلل في جهاز المناعة (وجود أجسام مناعية تهاجم خلايا المخ).
- خلل في الموصلات العصبية.
- الجلوس لفترات طويلة على الهاتف والتلفاز والألعاب الإلكترونية، مما يجعل الطفل ينفصل عن الواقع ويعيش في عالم من الخيال.
التوحد واللقاحات
ظهرت دراسات تربط بين التطعيم ببعض اللقاحات ومرض التوحد، و لكن تراجع العلماء عن هذه الدراسات فلم يثبت وجود علاقة بين التوحد عند الأطفال وأيٍ من التحصينات الشائعة.
أعراض التوحد عند الأطفال
تظهر أعراض التوحد عند الأطفال الرضع عادة في سن الثانية أو الثالثة. ولكن قد تظهر أعراض للتوحد قبل هذا السن، ويمكن تشخيصها في وقت مبكر عند عمر 18 شهراً.
عادةً تختلف الأعراض من طفل إلى آخر، ولكن يبقى العامل المشترك بين أغلب الحالات، وهو عدم القدرة على إقامة علاقات اجتماعية متبادلة مع الآخرين.
وتنقسم أعراض التوحد إلى:
- مشكلات التواصل والتفاعل الاجتماعي.
- اضطرابات في السلوك.
- صعوبات في اللغة.
مشكلات التواصل والتفاعل الاجتماعي
- يفضل الطفل العزلة واللعب منفرداً، والانسحاب إلى عالمه الخاص.
- لا يميل إلى تكوين أصدقاء.
- صعوبات في التعبير عن العواطف.
- صعوبة الحفاظ على التواصل البصري والافتقار إلى تعبيرات الوجه.
- يتعامل مع الأشخاص على أنهم أشياء.
- يفضل عدم حمله أو احتضانه.
- يبدو أنه غير مدرك عندما يتحدث الناس إليه.
- لا يستجيب لاسمه أو يبدو أنه لا يسمعك في بعض الأحيان.
- لا يبدو أنه يفهم أسئلة أو توجيهات بسيطة.
- لديه صعوبة في التعرف على الإشارات غير اللفظية ، مثل تفسير تعابير وجه الآخرين أو أوضاع الجسم أو نبرة الصوت.
المشكلات السلوكية
- مقاومة شديدة للتغيير.
- ردود فعل لا تتناسب مع الأفعال سواء بالإفراط أو عدم المبالاة.
- التعلق بلعبة معينة طوال الوقت.
- ترتيب الألعاب على هيئة صفوف.
- عدم القدرة على التركيز لفترة طويلة.
- عدم القدرة على الحكم على الأشياء بصورة صحيحة.
- يقوم بحركات متكررة، مثل التأرجح أو الدوران أو الرفرفة باليدين.
- يقوم بأنشطة يمكن أن تسبب إيذاء النفس، مثل العض أو ضرب الرأس.
- لديه أنماط حركية غريبة، مثل: المشي على أصابع القدم.
- فرط الحساسية تجاه الضوء والصوت واللمس، بالرغم من عدم المبالاة للألم أو الحرارة.
- تفضيل نوع من الطعام أو الشراب أو الملابس و رفض تناول أو استخدام غيرها.
المشكلات اللغوية
- لا يستطيع أن يبدأ محادثة، أو يستمر كثيراً في الحديث مع الآخرين.
- يكرر الكلمات والجمل كثيراً.
- لا يستطيع الإشارة إلى نفسه في التحدث (يستخدم اسم الإشارة أنت بدلاً من أنا للإشارة إلى نفسه).
- يواجه صعوبة في التعبير عن احتياجاته.
- لا يتكلم ويستخدم التعبير بالإشارة بدلاً من التحدث.
- لا يستطيع أن يكون جملاً مفيدة.
- يتأخر في الكلام أو يفقد القدرة السابقة على نطق الكلمات والجمل.
- يتحدث بنبرة أو إيقاع غير طبيعي، وقد يستخدم صوتًا رنانًا أو خطابًا يشبه الروبوت.
مضاعفات التوحد عند الأطفال
تكمن مشكلة التوحد عند الأطفال في عدم قدرتهم على التواصل الاجتماعي والتفاعل مع المواقف الاجتماعية المختلفة.
وقد يعاني بعضهم من صعوبات في التعليم رغم أنهم قد يتمتعون بقدر من الذكاء في التحصيل المعرفي ويتعلم بطرق غير تقليدية إلا أنه يواجه مشكلة في تطبيق ما يتعلمه على أرض الواقع.
ويتعرض الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد إلى صعوبات عديدة، منها:
- الاعتماد على الآخرين بصفة كبيرة.
- الانطواء والعزلة الاجتماعية.
- الضغوط النفسية داخل الأسرة.
- التعرض للتنمر من قبل الآخرين.
مؤشرات اضطراب طيف التوحد التي تحتاج منك استشارة الطبيب
- عدم الاستجابة بالابتسام أو الضحك عند الشهر السادس.
- عدم تقليد الأصوات عند الشهر التاسع.
- عدم محاولة التكلم عن طريق إصدار أصوات عند الشهر الثاني عشر.
- عدم الإمائة بحركات، مثل: الإشارة أو التلويح باليد عند بلوغه الشهر الرابع عشر.
- عدم نطق كلمات متفرقة عند الشهر السادس عشر.
- لا يلعب ألعاب “التخيل” أو التظاهر ببلوغه الشهر الثامن عشر.
- عدم نطق عبارات تتكون من كلمتين عند الشهر الرابع والعشرين.
- فقد المهارات اللغوية أو المهارات الاجتماعية في أي عمر.
ليس بالضروري ظهور أي من هذه المؤشرات أن طفلك يعاني من التوحد، ولكن يجب أخذ هذه المؤشرات في الاعتبار.
تشخيص التوحد عند الأطفال
قد يكون تشخيص التوحد عند الأطفال صعباً لعدم وجود اختبار طبي، مثل: فحص الدم لتشخيص الاضطرابات. ولذلك يتم التشخيص من خلال:
- النظر إلى سلوك الطفل و تطوره.
- إجراء فحوصات واختبارات جينية.
- الفحوصات التنموية (يمكن أن يساعد الفحص في التعرف المبكر على الأطفال المحتمل إصابتهم بالتوحد).
- تعد قائمة المراجعة المعدلة للتوحد عند الأطفال (M- Modified Checklist for Autism in Toddlers , CHAT) أداة فحص شائعة يستخدمها العديد من أطباء الأطفال والمختصين لتحديد الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بالتوحد. ومع ذلك فهذا الفحص ليس دقيقاً فقد يُظهر الفحص أطفالاً إيجابيين ولكن لا يعانون بالضرورة من هذا الاضطراب، ويمكن أن يحدث العكس.
قد يوصي طبيب طفلك بمجموعة من الاختبارات الأخرى، مثل:
- اختبار الحمض النووي للأمراض الوراثية.
- التقييم السلوكي.
- الاختبارات المرئية والصوتية لاستبعاد أي مشكلات في الرؤية والسمع لا تتعلق بالتوحد.
- قياس نسبة مادة الرصاص في الدم.
علاج التوحد عند الأطفال
لا يوجد حالياً علاج دوائي محدد لجميع حالات التوحد عند الأطفال، فينبغي التعامل مع كل طفل على أنه حالة مستقلة.
فمن خلال معرفة نقاط القوة والضعف لدى طفلك، والمهارات والسلوكيات التي يفتقدها، تستطعين مع المعالج المختص وضع خطة علاجية تناسب طفلك.
يشمل علاج التوحد على تكاتف وتكامل العلاج السلوكي، والعلاج الطبيعي، ومهارات اللغة والنطق والنظام الغذائي.
تظهر الأبحاث أن التدخل المبكر يمكن أن يحسن من نمو واستجابة الطفل وتعلم مهارات مهمة، كما تساعد الطفل على التحدث والمشي والتفاعل مع الآخرين.
يشمل العلاج السلوكي والمهاري:
- إعطاء أوامر محددة وواضحة للطفل.
- المكافأة الفورية في حالة تنفيذ الطفل للأوامر بطريقة صحيحة.
طرق التواصل مع أطفال التوحد
- يبدو التعامل من خلال الإشارة هو أسهل طريق لتواصل الطفل مع الآخرين، وقد يؤدي استمراره في ذلك إلى تفاقم المشكلة. فيجب عليك التوقف عن الاستجابة لطلباته من خلال الإشارة، وعيك تشجيعه على الطلب من خلال الكلام.
- تشجيع الطفل على معرفة لغة الجسد، وتمييز نبرات الصوت.
- حاولي التعرف على الدوافع وراء نوبات الغضب التي قد تحدث لطفلك.
كيفية التعامل مع الطفل التوحدي في المدرسة
- يستجيب الأطفال المصابون بالتوحد إلى التعزيز الإيجابي أكثر من العقوبة.
- تمييز نقاط القوة والضعف.
- محاولة اكتشاف هوايات الطفل وتنميتها.
- تشجيعهم على مشاركة الأفكار والآراء بطرق مختلفة.
- ينبغي للمعلمين معرفة طبيعة المرض وكيفية التعامل معه، ومعرفة أن هناك أنماطاً من السلوكيات التي تبدو غريبة وغير منطقية.
- قد يضطر المعلمون إلى ابتكار طرق للتواصل مع الطفل وتوصيل المعلومات بخلاف الطرق التقليدية.
- اختيار الأسئلة ذات الإجابات المحددة بدلاً من الأسئلة المفتوحة.
- عمل جدول زمني معين، وعليك الإلزام به، بحيث تعين أوقاتاً محددة للمذاكرة، تناول الوجبات، اللعب.
فالأطفال المصابون بالتوحد يقومون بأداء أفضل عندما يكون لديهم جدول أو روتين منظم.
- التوعية المناسبة لزملاء الطفل، حتى لا يتعرضون له بالسخرية أو التنمر.
- يجب اختيار ديكور وألوان الفصل الدراسي بعناية، حيث أن الألوان الزاهية قد تسبب عدم الراحة بالنسبة للطفل التوحدي.
دور الأسرة في التعامل مع الطفل التوحدي
- تقع على الأسرة مسؤوليات وتحديات كبيرة في التعامل مع الطفل المصاب بالتوحد. فعلى الأبوين معرفة طبيعة هذا المرض من خلال القراءة المستفيضة والاستماع إلى فيديوهات وسؤال مختصين في المجالات المرتبطة بالتوحد، مثل: الأطباء النفسيين، أطباء الأطفال أو متخصصي تعديل السلوك.
- تعرفي على أساليب العلاج، واتبعي تعليمات المعالجين.
- اكتشفي طفلك، من خلال معرفة الأمور التي تؤثر في سلوكياته بالسلب فتتجنبيها، وتزيدي من الأمور التي تحسن من سرعة استجابته.
- عليك التركيز على كيفية تحسين وضع طفلك، بدلاً من المقارنة الدائمة مع أقرانه.
- اغمري طفلك بالحب والحنان، واستمتعي معه بكل تحسن في الحالة، واحتفلي بالنجاحات التي يحققها.
- لا تتركي مجالاً للاستسلام، ولا تيأسي من كثرة المحاولات في تعديل سلوك طفلك.
- شجعي طفلك واثني عليه في حالة قيامه بأي إنجاز.
- حددي أوقات للمرح واللعب مع طفلك بحيث تكوني في غاية الانتباه والسعادة.
- لا تتركي أوقات فارغة في يوم طفلك، املئي يومه بنشاطات كثيرة، حتى لا يجلس بمفرده متقوقع على نفسه كثيراً.
- يمكن أن تنضمي إلى مجموعات دعم مرضى اضطراب طيف التوحد، حيث يمكن مشاركة الخبرات والمعلومات والتجارب، والحصول على الدعم العاطفي.
- امنحي لنفسك وقتاً للراحة، تجددين فيه طاقتك وقدرتك على الاستمرار في رعاية طفلك وأسرتك.
- راقبي طفلك طوال الوقت حتى لا يؤذي نفسه، ولكن دون إحداث ضغوطات قد ترجع بالسلب عليه.
نصائح غذائية مهمة
- تناول الدهون غير المشبعة.
- استخدام ألبان خالية من الكازين، واستبعاد الجلوتين الموجود في القمح.
- تناول فيتامينات ومعادن، مثل: فيتامين ج والبيوتين والزنك.
- تناول الأوميجا 3، وزيت كبد الحوت لإحتوائهما على أحماض دهنية مهمة لوظائف المخ.
- لأن الطفل المصاب بالتوحد يكون لديه حساسية أكبر تجاه الروائح والألوان، فقد تجدي صعوبة في تقبل طفلك لأنواع الطعام، ولذلك اشركيه في اختيار طعامه المفضل.
وفي النهاية حاولي أن تتقبلي وضع طفلك، وأن تتعرفي على طبيعة سلوكياته، وابحثي عن معلومات كافية حول التوحد عند الأطفال، واستمتعي بوقتك مع طفلك.
المراجع
https://www.cdc.gov/ncbddd/autism/facts.html
https://www.healthline.com/health/autism#autism-tests
https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/autism-spectrum-disorder/symptoms-causes/syc-20352928