د. إسراء محمد
تخيل لو أتيت بلوحة مكتوبة باللغة الصينية وأجبرتك على قرائتها وأنت تجهل هذه اللغة تمامًا؟!
وعندما أخبرتني بعجزك عن فك رموزها، نهرتك وعنفتك قائلًا: يا لك من غبي! كيف لا تستطيع قراءتها أيها الفاشل؟!
ماذا لو حدث هذا الموقف مرارًا وتكرارًا؟ وتكرر تعنيفي لك مع كل مرة؟!
بماذا ستشعر حينها؟!
هكذا نقسو على أطفالنا عندما يواجهون إحدى التحديات أثناء مسيرتهم التعليمية، ونحطمهم نفسيًا دون أن ندري. هكذا نحملهم ما لا طاقة لهم به!
عزيزي الأب، عزيزتي الأم،
إذا كان طفلك يعاني من إحدى التحديات التعليمية، رجاءً قبل أن تحمله مالا يطيق، فلتسمح لي باصطحابك في هذه الرحلة للتعرف أكثر على أنواع صعوبات التعلم عند الأطفال وعلاجها.
كيف أعلم أن طفلي يواجه إحدى تحديات التعلم؟
قد تشير بعض الأعراض إلى إصابة طفلك بإحدى صعوبات التعلم، مثل:
- إيجاد صعوبة في الكتابة أو القراءة أو الحساب أو الهجاء وتأخره عن مواكبة قرنائه.
- عدم التوافق الحركي أثناء المشي أو ممارسة الرياضة أو حمل القلم.
- الصراخ أو إظهار بعض المشاعر المبالغ فيها أثناء القيام بالواجبات الدراسية أو أثناء تواجده في المدرسة.
- صعوبة التمييز بين اليمين واليسار.
- كتابة الحروف والأرقام معكوسة.
- صعوبة ترتيب الأحجام المختلفة.
- عدم القدرة على التمييز بين الأشكال المختلفة.
- صعوبة فهم واتباع التعليمات، وعدم القدرة على النظام.
- تذكر الكلام بصعوبة بعد وقت قصير من سماعه أو قرائته.
- عدم القيام بالأعمال اليدوية المختلفة، مثل: الكتابة والقص والرسم بكفاءة.
- صعوبة إدراك قيمة الوقت وأهميته.
يجب استشارة الطبيب عند وجود أي من أعراض صعوبات التعلم عند الأطفال لدرجة تعوق من ممارسة المهام الدراسية بشكل سليم.
ما هي أنواع صعوبات التعلم عند الأطفال؟
تعددت أنواع صعوبات التعلم عند الأطفال، فمنهم من يجد صعوبة في الكتابة، ومنهم من يجد صعوبة في القراءة أو الحساب.
سنعرض عليك عزيزي القارئ الآن أشهر أنواع صعوبات التعلم عند الأطفال:
صعوبة القراءة dyslexia
يجد الطفل في هذا النوع صعوبة في إدراك الكلمات المنطوقة ومكوناتها، فهو لا يستطيع إدراك أن كل حرف له صوت مميز، وأن إضافة هذه الحروف أو “الأصوات” إلى بعضها تكون الكلمة.
قد يصاحب هذا النوع بعض التحديات، حيث يجد الطفل عادةً صعوبةً في:
- القراءة بإيقاعٍ نمطي.
- فهم ما يقرأه الآخرين.
- تذكر ما قد قرأه بدقة.
- استنتاج واستنباط الكلام المقروء.
- الهجاء بشكل سليم.
صعوبة الكتابة dysgraphia
تعد عملية الكتابة من العمليات المعقدة، التي تتطلب توافق بصري وحركي وبعض مهارات معالجة المعلومات.
قد تتسبب صعوبة الكتابة في ظهور بعض التحديات، مثل:
- بذل مجهود مضاعف وشاق أثناء الكتابة.
- عدم القدرة على الكتابة بوضوح بحيث يصعب قراءة الجمل.
- صعوبة التعبير عن الأفكار بالكتابة.
- كتابة الجمل مبعثرة وغير مفهومة.
- مشاكل في الهجاء والترقيم والقواعد اللغوية، وبطء في الكتابة.
صعوبة الحساب dyscalculia
لا يستطيع الطفل في هذا النوع من صعوبات التعلم عند الأطفال فهم كل ما يتعلق بالأرقام وعلاقتها ببعضها البعض.
لذلك، يواجه الطفل عادة مشكلة في:
- حل المسائل الحسابية.
- استخدام الرموز الحسابية.
- تذكر القواعد الحسابية الأساسية.
- فهم المسائل الحسابية الكلامية.
- ترتيب المعلومات أثناء حل المسائل الكلامية.
صعوبات في المهارات غير اللفظية
(non verbal skills)
يتمتع الطفل في هذه الحالة بمهارات لغوية عالية وذاكرة قوية في طفولته المبكرة.
ولكنهم يجدون صعوبة في بعض المهارات الأخرى، مثل: المهارات المكانية البصرية والمهارات البصرية الحركية وأيضًا بعض المهارات الاجتماعية والدراسية.
وتتمثل التحديات في هذا النوع من صعوبات التعلم في عدم كفاءة قدرتهم على:
- فهم تعبيرات الوجه أثناء التواصل الاجتماعي.
- التواصل الاجتماعي اللغوي بصورة صحيحة.
- التوافق البدني.
- القيام ببعض المهارات الحركية الدقيقة، مثل: الكتابة.
- التركيز والتخطيط والتنظيم.
- التعبير بالكتابة والتي عادة ما تبدأ في الظهور في سن متقدم.
فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD
يعد مرض فرط الحركة وتشتت الانتباه من أكثر الأمراض العصبية انتشارًا بين الأطفال، والذي يتسبب في العديد من التحديات والصعوبات للطفل أثناء مراحل تعليمه المختلفة.
يعاني أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه من مزيج من الأعراض التي تتعلق بفرط الحركة، مثل: عدم القدرة على الهدوء والسكون لفترة طويلة.
وبعض الأعراض الأخرى التي تشمل تشتت الانتباه مثل: عدم القدرة على التركيز لمدة طويلة، أو اتباع الأوامر والإرشادات.
يواجه الطفل في هذه الحالة العديد من التحديات في المدرسة والبيت، فهم دائمًا متأخرون عن قرنائهم في المدرسة ولا يستطيعون مواكبة تطورهم الدراسي.
مما يتسبب في ضعف ثقتهم بأنفسهم، ولجوء الكثير منهم لطريق الإدمان.
ما هي أسباب صعوبات التعلم عند الأطفال؟
من أشهر أسباب صعوبات التعلم عند الأطفال:
- وجود عامل وراثي
تزيد احتمالية الإصابة، إذا وجد تاريخ وراثي للإصابة بإحدى صعوبات التعلم عند الأطفال.
- حدوث خلل أثناء الحمل
ويشمل الآتي:
- ضعف نمو الجنين.
- الأطفال المبتسرين.
- قلة وزن الطفل عند الولادة.
- شرب الكحوليات أثناء الحمل.
- التعرض لصدمة نفسية
يتسبب التعرض لصدمة نفسية أو الإدمان في سن الطفولة المبكر في ضعف النمو العقلي للطفل، مما يجعله عرضًة لظهور بعض تحديات التعلم.
- التعرض لصدمة جسدية
عند التعرض لإحدى الصدمات الدماغية أو عدوى الحبل الشوكي، فهذا قد يزيد من احتمالية الإصابة بصعوبات التعلم عند الأطفال.
- التعرض لبعض السموم
التعرض لكميات كبيرة من الرصاص يساعد على ظهور إحدى صعوبات التعلم عند الأطفال.
الآثار السلبية لصعوبات التعلم عند الأطفال
الطفل الذي يجد صعوبة في التعليم يتأخر عادة عن زملائه في المدرسة؛ مما يتسبب في فقدان حماسه وإصابته بالإحباط واليأس.
وذلك بسبب عجزه عن إتمام المهام البسيطة، بالرغم من بذله لمجهود مضاعف مقارنةً بزملائه.
هذه المشاعر تؤثر سلبًا على صحة الطفل النفسية، وتتسبب في ضعف ثقته بنفسه وميل الطفل الدائم للانفراد والعزلة، والذي قد يصل إلى حد الإصابة بالاكتئاب.
ما هو دور الطبيب في علاج صعوبات التعلم عند الأطفال؟
لا شك أن التدخل الطبي المبكر والسريع يساعد على حل مشكلة صعوبات التعلم عند الأطفال وعلاجها، وأيضًا تجنب إلحاق الضرر بالطفل أثناء المراحل التعليمية المختلفة.
لذلك، يجب عرض الطفل على الطبيب للتعرف على حالته، وتحديد نوع الإصابة وفقًا لأعراض صعوبات التعلم عند الأطفال المتعارف عليها، وطريقة العلاج السليمة.
يجري الطبيب بعض الفحوصات والاختبارات في البداية، لتحديد وجود خلل سمعي أو بصري، أو أي من الحالات المرضية التي قد تعوق عملية التعليم لدى الطفل.
بعد ذلك، يخضع الطفل لمجموعة من الاختبارات من قبل فريق متخصص مكون من طبيب نفسي، مُعلِم حالات خاصة، معالج مهني، وممرض اجتماعي.
ينحصر دور هذا الفريق الطبي المتكامل في تحديد نوع الإصابة، وسبب الخلل الرئيسي عند الطفل، وإذا كان الأمر يتطلب تعليمًا خاصًا أو تدخلًا علاجيًا سريعًا.
الخطة العلاجية لصعوبات التعلم
دائما ما يحتاج الطفل في هذه الحالة إلى المزيد من الرعاية والاهتمام، الأمر الذي قد يتطلب نوعًا خاصًا من التعليم في بعض الأحيان.
ويختلف علاج صعوبات التعلم عند الأطفال تبعًا لنوع التحديات التي يواجهها الطفل ولطبيعته وظروفه.
وقد تشمل هذه الخطة العلاجية:
مساعدة متخصصة
قد يحتاج طفلك إلى متخصص في تعلم القراءة، أو معلم متخصص في الرياضيات أو إحدى المتخصصين لتعلم المهارات الأكاديمية المختلفة، وذلك وفقًا لنوع التحدي الذي يواجهه.
تعليم خاص
قد يحتاج الطفل إلى تعليم منفصل ومتخصص له، حيث يتوفر في العديد من المدارس فصول متخصصة لمن يواجهون تحديات أو صعوبات في التعلم.
العلاج المتخصص
قد يحتاج الطفل إلى معالج مهني لمساعدته في علاج المشكلات الحركية في حالات صعوبات الكتابة، أو طبيب تخاطب لحل مشاكل اللغة.
بعض الأدوية
قد يصف الطبيب في بعض الأحيان بعض الأدوية لعلاج حالات الاكتئاب، أو عند الإصابة بمرض فرط الحركة وتشتت الانتباه.
الطب البديل
هناك بعض الأبحاث التي تُجرى لدراسة مدى تأثير بعض العادات اليومية أو الأساليب على حل بعض أنواع صعوبات التعلم عند الأطفال.
والتي تشمل بعض العادات الغذائية وتناول بعض الفيتامينات أو بعض التدريبات البصرية أو استخدام بعض الأجهزة التكنولوجية.
ما هو دوري كأب وأم في علاج صعوبات التعلم عند طفلي؟
مجملًا، كن لطفلك سندًا في محنته وعونًا له لتخفيف حدة مشاكله التعليمية التي يواجهها، ولا تزيد من أعبائه النفسية.
ولا تكن مثل والد “إيشان” في الفيلم الهندي الشهير مثل النجوم في السماء أو ” Tarre zameen par”، الذي حطم طفله نفسيًا ووصفه بالفاشل وألقى به في مدرسة داخلية؛ لأنه كان يعاني من إحدى صعوبات التعلم عند الأطفال.
تذكر دائمًا، أن كل طفل وله نقاط قوته وضعفه، فلتركز على نقاط القوة لطفلك ولتبرزها له.
وحاول تطوير نقاط ضعفه بأسلوب سلس دون تحميله فوق طاقته أو الضغط عليه.
فما يحتاجه طفلك منك هو تعزيز ثقته بنفسه لضمان تطوره وتغلبه على تحديات الحياة المختلفة.
وفي النهاية، فلتحفز طفلك دائمًا!
